وقوله: "ويكبرون الله بأصوات مرتفعة".. مما يتميزون به: التكبير بأصوات مرتفعة، يقول
شيخ الإسلام: "وهذه الصفات إنما تنطبق على صفات محمد صلى الله عليه وسلم وأمته؛ فهم يكبرون الله بأصوات مرتفعة؛ في أذانهم للصلوات الخمس -وهذا التكبير يملأ الدنيا من شرقها إلى غربها، "وعلى الأماكن العالية، كما قال
جابر بن عبد الله : {
كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا علونا كبرنا، وإذا هبطنا سبحنا، فوضعت الصلاة على ذلك} رواه
البخاري .
وفي
صحيح مسلم عن
عبد الله بن عمر قال: {
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قفل من الجيوش أو السرايا أو الحج أو العمرة -إذا أوفى على ثنية أو فدفد- كبر ثلاثاً، ثم قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، آيبون تائبون عابدون ساجدون، لربنا حامدون، صدق الله وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده}.
وفي
صحيح البخاري عن
أنس قال: {
صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن معه بـ المدينة الظهر أربعاً، والعصر بذي الحليفة ركعتين، ثم بات بها حتى أصبح، ثم ركب؛ حتى إذا استوت به راحلته على البيداء، حمد الله وسبح وكبر، ثم أهل بعمرة وحج ..}.
وعن
أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً قال: {
يا رسول الله! إني أريد أن أسافر فأوصني، قال: عليك بتقوى الله والتكبير على كل شرف، فلما أن ولى الرجل قال: اللهم اطوِ له البعد، وهوّن عليه السفر} رواه الإمام
أحمد و
الترمذي و
النسائي ".. إلى آخر ما ذكر من أحاديث دالة على التكبير في الأماكن المرتفعة.
قال: "وهم يكبرون الله بأصوات عالية مرتفعة في أعيادهم: عيد الفطر وعيد النحر"، قال تعالى: ((
وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ))[البقرة:185]؛ فالتكبير في العيدين مشروع؛ أمر الله تعالى به في كتابه، وفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "في الصلاة والخطبة، وفي ذهابهم إلى موضع الصلاة -يعني أثناء ذهابهم إلى صلاة العيد إلى أن يرجعوا من الصلاة- وفي أيام منى؛ الحجاج وسائر أهل الأمصار يكبرون عقيب الصلوات"...
وذكر
البخاري عن
عمر بن الخطاب أنه كان يكبر في قبته بـ
منى، فيسمعه أهل المسجد، فيكبرون بتكبيره، فيسمعهم أهل الأسواق، فيكبرون حتى ترتج
منى تكبيراً.
وكان
ابن عمر و
ابن عباس يخرجان إلى السوق أيام العشر، فيكبران ويكبر الناس بتكبيرهما، ويكبرون على قرابينهم وهديهم وضحاياهم". أي: إذا أرادوا أن يذبحوا الهدي أو الأضاحي، قال: "كما كان نبيهم يقول عند الذبح: {
باسم الله والله أكبر}
، ويكبرون إذا رموا الجمار، ويكبرون عند
الصفا و
المروة، ويكبرون في الطواف عند محاذاة الركن، وكل هذا يجهرون فيه بالتكبير غير ما يسرونه".
فهناك مواضع كثيرة يكون شعار المسلمين وعبادتهم فيها التكبير بصوت مرتفع، وهناك مواضع أخرى كثيرة يكون فيها التكبير بصوت منخفض.
فكون التكبير لأمة محمد صلى الله عليه وسلم؛ فيه دلالة على أن ما جاء في المزامير من قوله: "يكبرون الله بأصوات مرتفعة"، إنما يصدق على هذه الأمة، ولا توجد أمة تكبر الله سبحانه وتعالى بمثل ذلك غير هذه الأمة.
يقول رحمه الله: "والنصارى يسمون عيد المسلمين: عيد الله الأكبر؛ لظهور التكبير فيه"، يعني: حتى النصارى يوافقون المسلمين على تسميته بالعيد الأكبر أو عيد الله الأكبر.
يقول: "وليس هذا لأحد من الأمم -لا أهل الكتاب ولا غيرهم- غير المسلمين، وإنما كان موسى يجمع بني إسرائيل بالبوق، والنصارى شعارهم الناقوس".
فالأذان هو من فضل الله سبحانه وتعالى على هذه الأمة؛ حيث لم يشرع لهم بوقاً كبوق اليهود، ولا ناقوساً كناقوس النصارى، وإنما شرع لهم التكبير وميزهم به.
قال: "وأما تكبير الله بأصوات مرتفعة فإنما هو شعار المسلمين، فإن الأذان شعار المسلمين، وبهذا يظهر تقصير من فسر ذلك بتلبية الحج"، يعني أن التكبير أعم.
قال رحمه الله: "وفي
الصحيحين عن
أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم: {
أنه كان إذا غزا أقواماً لم يغز حتى يصبح، فإن سمع أذاناً أمسك، وإن لم يسمع أذاناً أغار بعد ما يصبح}.
وفي لفظ
مسلم: {
كان يغير إذا طلع الفجر، وكان يستمع الأذان، فإن سمع أذاناً أمسك وإلا أغار، فسمع رجلاً يقول: الله أكبر الله أكبر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: على الفطرة، ثم قال الرجل: أشهد أن لا إله إلا الله، فقال: خرجت من النار}.
وعن
عصام المزني قال: {
كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا بعث السرية يقول: إذا رأيتم مسجداً أو سمعتم منادياً فلا تقتلوا أحداً} رواه
أحمد و
الترمذي و
ابن ماجة".
وهذه الأحاديث أيضاً من العلامات الدالة على فضل وشرف التكبير، وأنه علامة الإسلام، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يغزو قوماً يبيت قريباً منهم، ولا يغزوهم إلا صباحاً، فإن سمع أذاناً أمسك، وإن لم يؤذن المؤذن قاتلهم، وهذا أحد الأدلة على قتال من امتنع عن بعض شعائر الإسلام.